فصل: مسألة يقول لامرأته أنت علي كظهر أبي أو غلامي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يقول لامرأته إن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال سحنون: وسألت أشهب، عن الذي يقول لامرأته: إن لم أطلقك فأنت علي كظهر أمي، وغلامي حر، أو علي المشي إلى بيت الله الحرام، قال: أما في الظهار فيحال بينه وبين وطئها، فإن رفعته ضرب له أجل الإيلاء، فإن طلق، وإلا طلقت عليه بالإيلاء، وأما في العتق والمشي فإنه لا يحال بينه وبين الوطء وهي امرأته، وإنما يحنثه في عتق أو مشي بعد الموت، وليس في هذا إيلاء.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحال بينه وبينها في الظهار، ويضرب له أجل الإيلاء إن رفعته صحيح، إذ لا يجوز له الوطء، كمن حلف بالطلاق ليفعلن فعلا، فإن أبا أن يطلق لما وقف، وقال: أنا التزم الظهار، ولا تطلقوا علي بالإيلاء، كان ذلك له، وقيل له كفر، وابق مع امرأتك، فإن لم يكفر وسأل أن يضرب له أربعة أشهر أخرى للإيلاء، كمن ظاهر ولم يكفر، فقيل ذلك له كمبتدئ الظهار من يوم التزم الظهار، وقيل: ليس ذلك له؛ لأنه يتهم على أنه لم يلتزم الظهار، وإنما أراد التطويل والزيادة في الإيلاء الذي قد مضى أجله، وهو أشبه، والله أعلم. والذي يرفع عنه التهمة أن يفصح بالتزامه ليقول: أنا ألتزمه، هي علي كظهر أمي، وقد مضى في رسم لم يدرك ما بين هذا المعنى، وأما العتق والمشي فكما قال فيهما، لا كلام في ذلك ولا إشكال، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل أعتق رقبة في ظهار عليه اشتراها فأتى رجل فاستحق الرقبة:

وسئل ابن القاسم عن رجل أعتق رقبة في ظهار عليه اشتراها، فأتى رجل فاستحق الرقبة، فرجع المعتق على بائعه بالثمن، وهو ثمن واسع، أترى أن يشتري ببعضه رقبة ويرد ما بقي؟ قال: يشتري به كله، وإنما رأيت أن يشتري به كله؛ لأن مالكا سئل عن الرجل يعتق رقبة عن ظهار عليه، ثم يطلع على عيب، قال: يرجع به على بائعه، ويجعله في رقبة، فإن لم يجد به رقبة، أعان به في رقبة يتم له عتقها، فمن هنالك رأيت ما قلت لك، والعيب الذي أصيب بالعبد، ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب، ولكنه إذا كان في العبد جاز العبد به.
قلت له: فلو كان تطوع، قال: يرجع بالعيب، ويصنع به ما شاء، وكذلك لو كان هدي تطوع أهداه، ثم أصاب به عيبا، رجع على بائعه بقيمة العيب، وصنع به ما شاء، وهو مثل لعتق التطوع، إلا أنه لو كان هديا واجبا، فأصاب به عيبا، رجع على بائعه بقيمة العيب، فاشترى به هديا، فإن لم يجد به هديا شاة، ولا غيره مما يكون هديا تصدق به، ولا يشرك به في هدي.
قال محمد بن رشد: مساواة ابن القاسم هنا بين العيب يوجد في العتق التطوع والهدي التطوع، أنه لا شيء على المبتاع في قيمة العيب الذي يرجع به على البائع، خلاف قوله في المدونة في تفرقته بين الهدي التطوع، والعتق التطوع. ولابن نافع في المدونة: أنه لا يصح له تملك ما يرجع به العيب في العتق التطوع، فأحرى أن لا يصح له ذلك على مذهبه في الهدي التطوع، وأما الهدي الواجب، والرقبة الواجبة، والضحية، فلا اختلاف في أنه لا يصح له تملك لما يرجع به للعيب في شيء من ذلك كله إن كان العيب يسيرا يجوز به العبيد في الرقاب والشاة في الهدي والضحية، وإن كان كثيرا لا يجوز به العبد في الرقاب ولا الشاة في الضحية والهدي، وجب عليه البدل في الرقبة، والهدي في الضحية إن كانت لم تفت أيام الذبح، وإن كانت قد فاتت تصدق بذلك. وقد مضت هذه المسألة مستوفاة في أول سماع أصبغ من كتاب الضحايا، فمن أحب الوقوف عليها تأملها هنالك، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته أنت علي كظهر فلانة لجارة له:

وقال: في رجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر فلانة لجارة له- إن دخلت هذه الدار، فيتزوج جارته التي حلف لامرأته بظهارها، ثم دخل الدار قال سحنون: لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: وجه قول سحنون أنه حمل يمينه على أنه أراد أنت علي كظهر فلانة مني يوم أدخل الدار إن دخلها، ويلزم على قياس هذا لو قال لامرأته: أنت علي كظهر فلانة- لامرأة له أخرى- إن دخلت هذه الدار، فطلق فلانة طلاقا بائنا، ثم دخل الدار، أن يلزمه الظهار؛ لأنه على بر، فكأنه ظاهر يوم دخل الدار؛ بظهر أجنبية، وإن قلنا في هذه: إن اليمين بالظهار لغو، لما وقعت بظهر من تحل له يوم اليمين، وجب أن يقول في مسألة الكتاب:
إن الظهار له لازم لما كانت يمينه بظهر أجنبية يوم اليمين، والأظهر أن يحمل يمينه على أنه إنما أراد أنت علي كظهر فلانة اليوم، إن دخلت الدار، متى ما دخلتها وهو الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في المدونة في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل عبد أملكه فهو حر، أن اليمين إنما تلزمه في كل عبد كان عنده يوم حلف، لا في كل عبد كان عنده يوم حنث، وكذلك إذا قال: كل عبد أملكه من الصقالبة فهو حر، فاشترى بعد يمينه، وقبل أن يكلمه صقالبة أنهم أحرار. وقول سحنون في هذه المسألة يأتي على ما في سماع زونان في الذي يقول: إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها بمصر طالق، أن الحنث إنما يلزمه فيمن تزوج بعد كلامه، لا فيما تزوج بعد يمينه وقبل كلامه، وبالله التوفيق.

.مسألة التتابع في كفارة القتل والظهار:

وسئل عن رجل صام عن ظهارين كانا عليه أربعة أشهر، فلما كان قبل فراغه ذكر أنه ناس ليومين، لا يدري أهي من الكفارة التي هو فيها أو من الأولى؟ فزعموا أنه يصوم يومين ويأتي بشهرين.
قال محمد بن رشد: التتابع في كفارة القتل والظهار فرض التنزيل، فلا يعذر أحد في تفريقهما بالنسيان على المشهور في المذهب، وإنما يعذر في ذلك بالمرض أو بالحيض إن كانت امرأة، فإن مرض الرجل، فأفطر في شهري صيامه أو أكل فيهما ناسيا، قضى ذلك ووصله بصيامه، فإن ترك أن يصله بصيامه ناسيا أو جاهلا متعمدا، استأنف صيامه، فإذا صام الرجل عن ظهارين كانا عليه أربعة أشهر، ثم ذكر قبل فراغه أنه ناس ليومين، لا يدري من أي الكفارتين، فقال ابن القاسم: إنه يصوم يومين، ويأتي بشهرين، ووجه قوله أن هذه الكفارة التي هو فيها لما كان يقدر على إصلاحها بإتيان ما شك فيه منها، أمر ألا يتركها حتى يصلحها على ما يومن بيومين يصلهما بها، ثم يعيد بعد ذلك الكفارة الأولى؛ لاحتمال أن تكون اليومان منها، وقد ترك أن يصلهما بها على أصله فيمن ذكر سجدة من آخر صلاته، لا يدري من أي ركعة، أنه يسجد سجدة يصلح بها هذه الركعة التي لم يفته إصلاحها، ثم يأتي بركعة؛ لاحتمال أن تكون السجدة من غيرها من الركعات، ويأتي في هذه المسألة على مذهب من يرى أنه يأتي بركعة، إذ لابد من الإتيان بها ولا يخر إلى سجدة، إذ ليس على يقين أنها من هذه الركعة، أنه يصوم شهرين، ولا يأتي بيومين، إلا أن يكون أيضا لا يدري لعل أحد اليومين من الكفارة الأولى، والثاني من الثانية، فإنه يصوم يوما واحدا يصله بصيامه، ثم يأتي بشهرين، وهو قول ابن الماجشون، وروى ذلك ابن سحنون، عن أبيه، ويأتي في هذه المسألة على قياس قول من يقول في من ظن أنه قد أكمل صلاته أربع ركعات، فقام بإثر سلامه، وصلى ركعتين نافلة، ثم ذكر أنه لم يصل من الفريضة إلا ركعتين، أنه يعتد بهذين الركعتين النافلة، وتجزئه من فريضته أن يعتد أيضا بيومين من أول الكفارة الثانية، على اليومين اللذين نسيهما أو شك فيهما من الكفارة الأولى، فيكون عليه أن يأتي بعد تمام الأربعة أشهر بيومين لا أكثر، يصلهما بصيامه، فإن ترك أن يصلهما سهوا أو عمدا، استأنف صيام شهرين.
ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان؛ لأنه أمر غالب كالمرض، فعلى قوله: إن ذكر اليومين بعد تمام الأربعة أشهر متى ما ذكر، فليس عليه إلا صيام يومين ساعة يذكرهما. واختلف على قوله: إن ذكر يومين من الكفارة الأولى قبل أن يتم الكفارة الثانية، فقيل: إنه يتم الكفارة التي هو فيها ثم يقضي يومين؛ لأنه معذور لما تشبث به من صيام الكفارة التي هو فيها، وقيل: إنه لا عذر له في ذلك، فيصوم اليومين اللذين ذكرهما من الكفارة الأولى، ويستأنف الثانية، وإن شاء تمادى على صيام الكفارة التي هو فيها، وقضى الكفارة الأولى، على الاختلاف فيمن ذكر صلاة في صلاة، هل تفسد الصلاة عليه أم لا تفسد.
وقد ذهب بعض المتأخرين إلى أنه يجوز له أن يقضي اليومين في أثناء الكفارة، ويبني على صيامه، ولا يعد بذلك مفرقا لصيامه، إذ لم يتخلله فطر على ما قال ابن حبيب فيمن صام لظهاره شعبان وشوال، أنه يجزيه ولا يضره ما يخلل صيامه من صيام رمضان، وبالله التوفيق.

.مسألة وجبت عليه رقبة فابتاع من رجل عبدا على أن يعتقه في الرقبة التي وجبت عليه:

من سماع محمد بن خالد من داوود بن سعيد قال محمد بن خالد: سألت داود بن سعيد بن أبي دينار، عن رجل وجبت عليه رقبة، فابتاع من رجل عبدا على أن يعتقه في الرقبة التي وجبت عليه، فأعتقه ثم علم بعد عتقه إياه أن نصفه حر، ونصفه رقيق، قد دلس له بذلك البائع، قال: يرده إلى البائع، ويأخذ الثمن منه ويعاقب بفعله؛ لأن نصفه لا يجزي عنه في رقبة، فلذلك يجب له رده. قال: قلت له: ولا يعتق على البائع بما رضي من بيعه على العتق، قال: لا يعتق عليه؛ لأنه إنما كان رضي أن يمضي عتقه بما كان أخذ من ثمنه، فإذا أخذ ذلك منه فليس براض.
قال محمد بن رشد: قول داوود هذا أنه يرده إلى البائع، ويأخذ منه الثمن. من أجل أنه لا يجزئ عنه في رقبة، خلاف المشهور في المذهب، المعلوم من قول مالك في الحج الثاني من المدونة وغيره، فيمن اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره، أو بعيرا فقلده وأشعره، ثم أصاب به عيبا لا يجوز به العبد في الرقاب، ولا البعير في الهدايا، أنه يرجع بقيمة العيب، ولا يرده لفواته بالعتق أو بالفدى، ويجعل ما يأخذ في قيمته العيب فيما وجب عليه من بدله.

.مسألة المولى عليه يظاهر من امرأته أيعتق بغير إذن وليه:

من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سألت عبد الله بن وهب، عن المولى عليه، يظاهر من امرأته أيعتق بغير إذن وليه؟ قال: نعم، استحب ذلك له إذا كان موسرا، وإن لم يكن له إلا رأس واحد، فلا أحب له أن يعتق وعليه الصيام.
قال محمد بن رشد: قوله في السؤال: أيعتق بغير إذن وليه؟ معناه أيكون له أن يعتق بغير إذن وليه، فلا يكون لوليه أن يرد ذلك؟ وقوله في الجواب نعم، أستحب ذلك له، معناه أستحب أن يكون الحكم فيه ذلك إذا كان موسرا، وقوله: وإن لم يكن له إلا رأس واحد، فلا أحب له أن يعتق، معناه فلا أحب أن يكون الحكم في ذلك جواز العتق له، وهو نحو مذهب ابن القاسم؛ لأنه يجوز له العتق إن أعتق بغير إذن وليه في الموضع الذي يلزم وليه أن يعتق عنه بإذنه؛ ولأن من قول ابن القاسم أن وليه ينظر له في حبس امرأته أو إنماء ماله، وقال: وليس كلهم سواء، منهم من يقل ماله ومنهم من يكثر ماله، وليس كل النساء سواء، منهن من يكثر مالها، ومنهن من لا يكون لها ذلك المال في النساء، ولا الحال فلينظر له وليه على ما يرى من ذلك خيرا له وأصلح، فإن رأى أن يكفر عنه كفر، وليس في ذلك حرج مرة ولا مرتين، وإنما هو على الاجتهاد منه، وليس له إلى الصيام ولا إلى الإطعام سبيل؛ لأنه ممن يجد رقبة.
وأما قول ابن وهب وعليه الصيام، فهو خلاف قول ابن القاسم: وليس له إلى الصيام، ولا إلى الإطعام سبيل، فعلى قول ابن وهب، وهو اختيار ابن المواز، إذا لم يأذن له وليه في العتق، صار من أهل الصيام، فإن لم يكفر به وطلبته امرأته بالوطء، ضرب له أجل الإيلاء، فإن لم يكفر بالصيام، طلق عليه بالإيلاء، وعلى مذهب ابن القاسم، إن أبى وليه أن يعتق عنه وطلبته امرأته بالوطء، طلق عليه، ولم يضرب له أجل الإيلاء، إذ لا سبيل له إلى الوطء إلا بالكفارة، ولا سبيل له إلى الكفارة، وقد قيل: يضرب له أجل الإيلاء، وإن كان ممن لا يقدر على الوطء ولا على الكفارة، لعلها سترضى بالإقامة معه على غير وطء، فلا تطلق عليه حتى ينقضي أجل الإيلاء على ما قيل في الذي يحلف بطلاق البتة ألا يطأ امرأته. وابن كنانة يقول: إنما ينظر له وليه في أول مرة؛ لأن المرة الواحدة تأتي على الحليم والسفيه، فإن عاد إلى الظهار مرة ثانية لم يكفر عنه، وإن آل ذلك إلى الفراق، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال أعتقوا عني عبدا في ظهار أو عبدا في قتل نفس:

من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب الوصايا قال أصبغ: قال لي ابن القاسم في رجل أوصى فقال: أعتقوا عني عبدا في ظهار، أو عبدا في قتل نفس، فلم يكن في الثلث إلا ثمن عبد واحد، وفضلة يسيرة لا تبلغ ثمن عبد آخر، قال: أرى أن يعتق ذلك العبد في قتل النفس، ويطعم عنه بالفضلة عن الظهار. وقال أصبغ: وذلك صواب؛ لأن الظهار يجوز فيه الإطعام لمن لم يجد، وهذا غير واجد، كما لو كان حيا، فوجبتا عليه جميعا، ولا يحد إلا هكذا، بدئ بكفارة القتل؛ لأنه لا إطعام فيه، ثم صار بعد بمنزلة مظاهر لا يجد رقبة، فإنه يصوم، فالميت مثله، غير أن الميت لا صيام له، ولا فيه ولا عنه. فالإطعام عنه بمنزلة الصيام كالذي لا يطيق الصوم فيطعم.
قال أصبغ: وهذا عندي في قتل الخطأ، فأما قتل العمد إن أوصى بالكفارة فيه، فإني أرى أن يبدأ بالظهار؛ لأن الكفارة عنه ليست بمفروضة ولا واجبة تفرض، فهي بمنزلة التطوع، فسألت ابن القاسم إذا لم يكن في الثلث في هذه المسألة إلا ثمن عبد واحد، أو كفارة واحدة، لا فضل فيها، قال: أرى ذلك إليهم يعتقون عن أي الكفارتين شاءوا ورأوا. قال أصبغ: وذلك رأيي، وما فعل من ذلك أجزأ. وأحب إلي أن يعتقوه عن القتل، لعله ينوب له مال، يوجد في قدره كفارة الظهار، فإن كان ممن يويس له، فليس في هذا استحباب يجعلونه على أي ذلك جعلوه. قال أصبغ: وإن كان في الثلث ثم عبد وفضلة قليلة لا تبلغ كفارة الظهار بالطعام، فإني أرى أن يبدءوا بالظهار؛ لأنه مما لا يجوز أن يشارك فيه في رقبة؛ لأن له مسلكا غير العتق إذا لم يخلص العتق موفرا لا يشرك فيه بالإطعام، وشورك بالباقي في رقبة؛ لأن قتل النفس لا إطعام فيه ولا مسلك له إلا العتق، أو صيام، ولا صيام في الميت ولا عنه، وإنما هو العتق، فإن لم يتم شورك به في عتق كمحمل الوصايا وغيرها من التشريك، قال أصبغ: قلت لابن القاسم: فإن لم يكن أوصى إلا بقتل نفس واحدة، فلم يكن في الثلث ثمن رقبة، وليس يكون في قتل النفس إطعام، أترى أن يرد ذلك إلى الورثة؟ قال: لا.
قلت: أَفَيُعَان به في عتق رقبة؟ قال: عسى؛ قال أصبغ: وهو رأيي أن يعان به، وهو مما يبين ما فسرت في الظهار والنفس إذا وجد في الثلث ثمن عبد وفضلة لا تبلغ الإطعام في الظهار، ويقوى ذلك، والله أعلم، وهو مذهب أهل العلم.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، وتحصيلها في أول سماع عيسى، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته أنت علي كظهر أبي أو غلامي:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يقول لامرأته: أنت علي كظهر أبي أو غلامي: إنه ظهار.
قال محمد بن رشد: ولو قال كأبي أو غلامي ولم يسم الظهر لم يكن ظهارا عنده، حكى ذلك ابن حبيب من رواية أصبغ، واختاره وقال مطرف: لا يكون ظهارا ولا طلاقا، وإنه لمنكر من القول، والصواب إذا لم يكن ظهارا أن يكون طلاقا، وهو ظاهر قول ابن وهب؛ لأنه قال في ذلك: إنه لا ظهار عليه، فكأنه رأى عليه الطلاق الظهار في ذلك يترجح على القول بإباحة وطء أدبار الزوجات؛ لأنه كأنه أشبه ما يباح له من ذلك في زوجته بما يحرم عليه منه في أبيه أو في غلامه تحريما مؤبدا، كما شبه الظهار بذوات المحارم ما يباح له من وطء زوجته، بما يحرم عليه وطؤه من ذوات محارمه تحريما مؤبدا، وقد روي عن ابن القاسم إباحة ذلك، ومذهب ابن وهب تحريمه والتغليظ فيه، فكأن كل واحد منهما جرى على أصله، وبالله التوفيق.

.مسألة ظاهر من امرأته فبدأ بالكفارة فصام أياما ثم قال لها أنت علي كظهر أمي:

من نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قيل لأصبغ: أرأيت رجل قال: امرأتي علي كظهر أمي، فبدأ بالكفارة، فصام أياما، ثم قال لها أيضا: أنت علي كظهر أمي. أترى أن يمضي على كفارته للظهار الأول، ثم يبتدي صياما آخر للظهار الثاني؟ قال: بل أرى أن يسقط ما مضى من صيامه، ثم يبتدئ من يوم ظاهر الظهار الثاني شهرين مستقلين، ولا أرى عليه استتمام الكفارة الأولى، وكذلك لو ظاهر مرارا في مجلس واحد أو مجالس مختلفة، قبل أن يكفر عن ظهاره الأول، لم يكن عليه إلا كفارة واحدة لجميع ظهاره، وذلك إذا كان ظهاره الأول لم يكن عليه إلا كفارة واحدة لجميع ظهاره، وذلك إذا كان ظهاره كله ظهارا بفعل واحد، مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي، ثم يقول في مجلس آخر: أنت علي كظهر أمي، ففعل ذلك في مجالس شتى، فكفارة واحدة مجزئة عن ذلك، وليس دخوله في الكفارة بالذي يوجب عليه إتمامها وابتداء آخر للظهار الآخر.
قلت: فلو ظاهر منها بفعل قال لها: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فحنث، فوجب عليه الظهار، فابتدأ الصيام لكفارته، ثم صام أياما، فقال لها: أنت علي كظهر أمي ظهارا بغير فعل، حلف عليه، هل له أيضا أن يبتدئ الصيام للظهارين من يوم ظاهر الثانية، ويسقط عنه ما مضى من صومه؟ قال: نعم، ذلك له مثل الأول.
قلت: وهذان ظهاران مختلفان، ليسا من نوع واحد، ظهار الفعل، وظهار بغير فعل، كيف لا يكون عليه كفارتان، يمضي في الأولى للظهار الأول، ويتبدئ للظهار الآخر كفارة أخرى؟ قال: لا ليس ذلك عليه؛ لأن قوله الثاني: أنت علي كظهر أمي، فقد كان مظاهرا منها بفعل أو بغير فعل، فكأنه توكيد للظهار الأول.
قلت: فلو ظاهر منها ظهارا مجردا بغير فعل حلف عليه، فوجب عليه الظهار، فابتدأ الكفارة ثم قال: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فحنث به؛ أيبتدئ صياما مستقبلا للظهارين جميعا ويسقط ما مضى من صيامه؟ قال: هذا خلاف الذي ابتدأ الظهار بالفعل، ثم ظاهر ظهارا مجردا بعد ذلك، هذا الذي ظاهر بغير فعل، ثم ظاهر بفعل، فقد وجب عليه الظهار الأول، ووجبت عليه الكفارة، فلما حلف بظهارها ألا يفعل شيئا فحنث، صار ظهارا آخر مبتدأ، أدخله عليه الحنث، لم يكن هو أدخله على نفسه ابتدأ بغير حلف، فيكون توكيدا للظهار الأول، فتجزيه كفارة واحدة، فعلى هذا كفارتان، يمضي في كفارته التي ابتدأ ويستقبل كفارة أخرى للظهار الآخر.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهارا بعد ظهار، أنهما إن كانا جميعا بغير فعل، أو جميعا بفعل في شيء واحد، والأول بفعل، والثاني بغير فعل، فليس عليه فيهما جميعا إلا كفارة واحدة، إلا أن يريد أن عليه في كل ظهار كفارة، فيلزمه ذلك، قاله في كتاب ابن المواز. قال أبو إسحاق: ويجوز له أن يطأ بعد الكفارة الأولى وقبل الثانية.
قال محمد بن رشد: بل هو الواجب؛ لأنه لو كفر قبل أن يطأ لم تجزه الكفارة، إذ ليس بمظاهر، وإنما هو حالف، كرجل قال: إن وطئت امرأتي فعلي كفارة الظهار، فلا تلزمه الكفارة حتى يطأ، بل لا تجزيه حتى يطأ، وقد مضى بيان هذا في رسم لم يدرك من سماع عيسى، وأنهما إن كانا جميعا بفعلين مختلفين، أو الأول منهما بغير فعل، والثاني بفعل، فعليه في كل واحد منهما كفارة، بحيث لم يجب عليه من ذلك إلا كفارة واحدة، إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول لم يجب عليه إتمامها، واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني، وحيثما وجب عليه في كل واحدة منهما كفارة كفارة، إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول، يجب عليه إتمامها، وابتدا كفارة أخرى للظهار الثاني، فهذا تحصيل قول ابن القاسم في هذه المسألة، وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا كان الظهار الأول بفعل، والثاني بفعل، فعليه لكل واحد منهما كفارة، وإن كان الفعل واحدا وهو بعيد، ولابن الماجشون في ديوانه: إن كفارة واحدة تجزيه في كل ذلك، كيف ما كان، فعلى مذهبه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول، يبتدئ الكفارة من يوم أوقع الظهار الثاني، وإن كانا جميعا بفعلين، في شيئين مختلفين. وقد قيل: إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للظهار الأول، يتم الأول ثم يستأنف الثانية، وإن كانا جميعا بغير فعل، قال ابن المواز: وهو أحب إلي إن لم يبق من الأولى إلا يسير، وإن لم يكن مضى من الأولى إلا يسير، نحو اليومين والثلاثة، فإنه يتمها وتجزيه لهما. وقول ابن القاسم في هذه المسألة كلها أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، وبالله التوفيق.

.مسألة المظاهر يقبل امرأته في شهري صيامه:

وسئل عن المظاهر يقبل امرأته في شهري صيامه، قال: لا شيء عليه، ويستغفر الله.
قال محمد بن رشد: لمطرف في سماع أبي زيد من كتاب الصيام خلاف هذا أنه يستأنف. وقد مضى القول في هذه المسألة وتحصيلها في آخر سماع أشهب، فلا وجه لإعادته.

.مسألة أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر الصبي معيبا:

قيل لأصبغ: أرأيت من أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر الصبي أخرسا أو أصما أو مقعدا أو مطبقا جنونا، أعليه بدلها؟ قال أصبغ: ليس ذلك عليه وقد أجزته. وهذا شيء يحدث، وكذلك لو ابتاعه فكبر على مثل هذا، لم يلحق البائع شيئا من ذلك.
قال محمد بن رشد: تعليله لإجزاء ذلك عنه في الكفارة، وأنه لا رجوع له في ذلك على البائع بشيء، بأن هذا شيء يحدث، ليست بعلة صحيحة؛ لأن ما يحدث ويقدم من العيوب، إذا أمكن أن يعلم يلحق البائع فيه اليمين، ولا يجزئ عن المكفر في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب، فالعلة في ذلك إنما هي أن هذا مما يستوي البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته، ولا يمكن أن يعلم ذلك أحد، فلم يكن له حكم العيب في قيام المبتاع فيه على البائع، ولا في عدم الإجزاء في الكفارة؛ لأن المكفر قد أدى ما تجب عليه باجتهاده، ولم يقصر، فلا درك عليه فيها لا يمكن أن يعلم، إذ لم يكلف معرفة ما ليس في وسعه من ذلك؛ قال الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

.مسألة يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك فتقول أنا عليك كظهر أمك:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن أبي الغمر قال: سئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته: قد جعلت أمرك بيدك، فتقول: أنا عليك كظهر أمك، قال: ليس ذلك لها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الزوج إنما ملكها في الطلاق، فليس لها أن توجب عليه أن لا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، فإذا لم يكن ذلك لها، فقد سقط ما كان بيدها من التمليك إذا قضت بما ليس لها، إلا أن تقول: أردت بذلك الطلاق، فيكون ثلاثا، إلا أن يناكرها الزوج فيما فوق الواحدة، والله أعلم.

.مسألة ظاهر من امرأته فأعطته رقبة يعتقها في ذلك:

وقال: في رجل ظاهر من امرأته، فأعطته رقبة يعتقها في ذلك، قال: إن كانت أعطته بشرط يعتق عنها، فذلك غير جائز، وإن كانت أعطته بغير شرط، فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنها إذا أعطته إياها أو ثمنها على أن يعتقها، فلم يملكها قبل العتق ملكا تاما، لما لزمه من عتقها بالشرط الذي شرطت عليه. وقد قال في المدونة: أن لا تجزيه أن يعتق إلا رقبة يملكها قبل العتق، ولا يعتق عليه، فصار بمنزلة من اشترى من يعتق عليه فأعتقه عن ظهاره، ولا هي أيضا أعتقها عنه بإذنه، فيجزيه على اختلاف في ذلك أيضا. ولا يرد العتق وإن لم يجزه عن ظهاره، واختلف في ماله، ففي المدونة لابن نافع أن ماله تابع له، ولا يقبل قول المرأة فيه. وقال ابن القاسم: القول قولها أنها أعطته بغير مال، ويكون لها المال، وبالله التوفيق.

.مسألة قال أعتقوا عني رأسا من رقيقي وله عشرة أرؤس في ظهار وجب عليه ثم مات:

وسئل ابن القاسم عن رجل قال: أعتقوا عني رأسا من رقيقي، وله عشرة أرؤس في ظهار وجب عليه ثم مات. قال: الورثة مخيرون يعتقون أيهم شاءوا، إذا كان ممن يجوز في الظهار.
قلت: أرأيت إن كان عبيده كلهم عميًّا؟ قال: إن كان الذي أوصى عالما أنه ليس من عبيده واحد يجوز في الظهار، رأيت أن يسهم بينهم فيعتقوا واحدا منهم، وإن كان ممن يظن أن أحدهم يجوز عنه في الظهار، يعذر بالجهالة، يخرج عشر قيمتهم، فيشتري رقبة صحيحة، قيل له: لا يوجد، قال: بل يوجد صغيرا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الورثة مخيرون في عتق من شاءوا منهم إن كانوا ممن يجوز في الرقاب، خلاف قوله في أول سماع عيسى مثل قول أصبغ فيه. وقوله إن كان عبيده كلهم عمي: إنه يسهم بينهم إن كان الموصي عالما بذلك، وإنه يباع منهم بعشر قيمتهم إن لم يكن عالما بذلك، بيان لما في سماع عيسى. وقد مضى هنالك القول على هذا المعنى مستوفى، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك:

قال ابن القاسم: في رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، فأخذ في الكفارة، فلما صام شهرا وقع بين امرأته وبينه مشاجرة. فقال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، قال: يبتدئ شهرين من يوم ظاهر الظهار الآخر. قيل له: فإن ابتدأ، فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج فيتزوج عليها، فقال: إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة، وبطل عليه الصيام.
قال محمد بن رشد: لا يجب على الرجل الظهار بقوله: امرأتي علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليها؛ لأنه يحنث بعد، ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت، إلا أن الكفارة تجزيه قبل الحنث؛ لأنها يمين هو فيها على حنث، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار، فيجوز له الوطء، كان ذلك له، وإن لم يفعل وطالبته امرأته بالوطء ورفعته إلى السلطان، ضرب له أجل الإيلاء، إذ لا يجوز له أن يطأ إلا أن يكفر، فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك، عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة، وسقط ما مضى منها، ولم يكن له أن يطأها حتى يستأنف الكفارة، على ما قال، ولم يكن عليه أن يتم الكفارة التي دخل فيها، ثم يستأنف الكفارة لليمين الأخرى؛ لأن اليمينين جميعا على فعل واحد، فلا يلزمه فيهما إلا كفارة واحدة حسب ما مضى بيانه في نوازل أصبغ، فإن تزوج عليها بر بالتزويج، وانحلت عنه اليمين، ولم يكن عليه إتمام ما دخل عليه فيه من الكفارة. وهذا كله بين، وقد مضى ما يزيده وضوحا وبيانا في رسم لم يدرك، من سماع عيسى، وبالله التوفيق، لا رب غيره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.